طارد الأرواح الشريرة !! قصة في منتهى الاثارة ..
قليلون هم من تمكنوا من رؤية هذا الفيلم, وقليلون هم من يعرفون أي شيء عن الضجة التي سببها الفيلم والمأساة التي بنيت أحداثه عليها...
قليلون لأن هذا الفيلم الذي يعد الأهم والأشهر في تاريخ أفلام الرعب خاصة والسينما بصفة عامة, منع عرضه في أكثر من بلد وسبب حالة عجيبة من الذعر في البلدان التي عرض فيها, أدت إلى حذف العديد من مشاهده, ثم منع تداوله على شرائط الفيديو بعد ذلك, لكنه ورغم هذا كله حقق نجاحًا مذهلا حصد معه أكثر من 165مليون دولار كأرباح، وهو رقم ليس بهين خاصة لو عرفنا أن الفيلم عرض في السادس والعشرين من ديسمبر لعام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين.
أي أن الفيلم تحول إلى ظاهرة في حد ذاته, لكن ماذا عن أحداث ما وراء الفيلم؟!
إن هذه الأحداث تنقسم معنا إلى قسمين, الأول هو القصة الحقيقية التي استوحى منها الكاتب الأمريكي لبناني الأصل (ويليام بيتر بلاتي), والتي تحكي لنا قصة الطفل (روبي) الذي احتل الشيطان جسده في عام1949 ولعدة أشهر قبل أن يشفى منه في جلسة تحضير أرواح مخيفة بحق, أما القسم الثاني فهو عن كيف تمكن المخرج (و يليام فريدكين) من إنجاز هذا الفيلم الذي وصفه الجميع بأنه ملعون وخالد, ولنبدأ بالقسم الأول.. بالأحداث التي حدثت عام1949 في مدينة (ميريلاند) الأمريكية..
طفل اسمه (روبي):
كان الطفل (روبي) في الثالثة عشرة من العمر يعيش مع والديه في ذلك المنزل الهادئ في مدينة الميريلاند, لكنه كان شديد التعلق بخالته التي كانت تأتي خصيصًا لزيارته من مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري, والسبب في هذا هو عمل تلك الخالة الذي كان يثير اهتمام الطفل (روبي) ويستحوذ على تفكيره تمامًا, فخالته كانت تعمل كوسيطة روحية في جلسات تحضير الأرواح, وكانت تقضي معه الساعات الطويلة تحكي له فيها عن مغامراتها في هذا العالم, حتى إنها ابتاعت له لوح (ويجا) – لوح ذو حروف وأرقام يستخدم للاتصال بالأرواح ومنتشر في الغرب بشدة– وعلمته استخدامه, وأساسيات التعامل مع عالم الأرواح, فانغمس الطفل في هذا العالم تمامًا, وأصبحت خالته هذه تشكل عالمه الخارجي بأكمله حتى جاء يوم السادس والعشرين من شهر يناير لعام1949 لتتوفى فيه الخالة وفاة طبيعية, لكنها وفاة تركت فراغًا هائلا في عالم الطفل (روبي) الذي لم يجد أمامه سوى لوح الويجا ليحاول الاتصال بروح خالته, وبأرواح الموتى الآخرين.
إلى هنا تبدو القصة معتادة في بلد يعيش ثقافات مختلطة, ولا يستنكر أي شيء مادام ليس ضاراً بصورة مباشرة, لكن هذا الضرر جاء وبأغرب صورة ممكنة.
فبعد وفاة الخالة بدأت الأحداث الغريبة في المنزل, فهناك أصوات خدش مستمرة قادمة من جدران المنزل, والمقاعد تتحرك من تلقاء ذاتها, وبعض قطع الأثاث تطير في الهواء فجأة ودون سابق إنذار لتتهشم مخلفة حالة من الذهول والفزع أصابت والدي الطفل (روبي) الذي أصبح منعزلاً تمامًا عن العالم الخارجي, وباءت كل محاولات إخراجه من عزلته بالفشل التام, فلم يجد الوالدان سوى العالم (باستير شولتز) الذي اشتهر بخبرته في عالم ما وراء الطبيعة (الباراسيكولوجي) ليلجآ إليه, علّه يمنحهما تفسيرًا مقنعًا لما يحدث..
و هكذا حمل والدا الطفل (روبي) ابنهما إلى منزل العالم (شولتز) الذي فحصه طويلاً , قبل أن يطلب من الوالدين أن يتركا طفلهما في منزله لبضعة أيام, ليتمكن من فحصه عن كثب.
و لم يمانع الوالدان, ليقضي العالم (شولتز) أسود أيام حياته, وهو يرى المقاعد تتحرك من تلقاء ذاتها, والطاولة الضخمة تنقلب فجأة, وقطع الأثاث تطير في الهواء, كأن هناك يدًا خفية تلقي بها في الهواء, وحين عاد الوالدان أخيرًا, أعلن لهما بثقة أن هذه حالة استحواذ شيطاني, ونصحهما بالذهاب إلى عيادة الصحة العقلية في جامعة (ميريلاند) للمزيد من الفحوصات والتأكد.
و هناك تم إجراء كل الفحوصات المعروفة في هذا الوقت على الطفل (روبي), وخرجت كلها لتعلن أنه سليم تمامًا من أي مرض فسيولوجي, وهكذا نصحهما (شولتز) باللجوء إلى كنيسة البلدة, فحمل الوالدان طفلهما (روبي) الذي كانت تنتابه نوبات غضب مخيفة, إلى الأب (هيوز) الذي كان لقاؤهما به في مكتبه في كنيسة مدينة (رينير) واقعة عجيبة ومخيفة.
فالأب (هيوز) رأى بنفسه كيف أخذ أثاث حجرته يهتز ويرتعش في حضور الطفل (روبي) وكيف حلت برودة مخيفة في الغرفة, وكيف أن الطفل أخذ يلعنه بكلمات لاتينية وبصوت شيطاني مخيف!!
و على الفور حصل الأب (هيوز) على موافقة الكاردينال (بويل) لبدء عمل جلسة طرد الأرواح الشريرة (Exorcism), على أن تتم في مستشفى (جورج تاون), وتم نقل الطفل إلى هناك, مع والديه المذعورين, ليبدأ الأب (هيوز) عمله, وليبدأ الطفل البريء المظهر, في التحول إلى كارثة, وقد أخذ يهاجم ويصرخ ويقاوم ويلعن بقوى لا يمكن لطفل أن يمتلكها بأية حال, حتى إنه استطاع تمزيق قيوده ليهجم على الأب (هيوز) بأداة حادة, مزّق بها ذراعه الأيسر من الكتف وحتى الرسغ, مسببًا جرحًا استخدم معه أكثر من مائة غرزة جراحية لعلاجه.
بعد هذا استيقظ الطفل فجأة وقد استعاد طبيعته, وقد بدا أنه لا يذكر أي شيء مما حدث, فأعلن أن جلسة طرد الأرواح تمت بنجاح وأعيد الطفل إلى منزله, وبدا أن كل شيء قد انتهى أخيرًا.
لكن هذا لم يحدث.. فالأسوأ لم يحدث بعد..
فالطفل (روبي) استيقظ في إحدى الليالي وهو يصرخ بعذاب هائل, كأنه يلفظ روحه من جسده, وحين أسرعت أمه إليه, وجدت أن الدماء تكتب في صدره أسفل جلده كلمة غير واضحة, وحين تساءلت الأم إن كانت هذه الكلمة هي (سانت لويس) تحركت الدماء أسفل جلد صدر الطفل ( روبي ) لتكتب: نعم..
و هكذا حملت الأم طفلها وذهبت به إلى ابن أختها المتوفية في (سانت لويس) , وهناك قام ابن أختها باستشارة الأب (بيشوب) الذي عرض الأمر بدوره على صديقه الأب (باودرن) قبل أن يقررا أنه قد حان وقت التدخل, وأن هذا الطفل يحتاج لجلسة (Exorcism) أخرى.
و هكذا بدأ الصراع, فمع بدء الجلسات تحول الطفل إلى وحش حقيقي يصرخ بلغات عجيبة وبأصوات مخيفة, وبدأ كل ما في الغرفة يتحرك ليهاجم من فيها, واضطر الأب (بيشوب) والأب (باودرن) إلى نقل الطفل (روبي) إلى مستشفى (الأخوان أليكسيان) حفاظًا على سلامته, وهناك واصل الأب (باودرن) الجلسات محتملاً الأهوال التي صدرت من طفل في الثالثة عشرة من عمره, حتى استطاع أخيرًا انتزاع الشيطان من جسد الطفل, والذي كان لخروجه من جسد (روبي) دوي هائل أشبه بالقذيفة, سمعه كل من كانوا في المستشفى بوضوح تام.
و أخيرًا استيقظ الطفل بحالة طبيعية, ودون أن يذكر أي شيء عمّا حدث له طيلة الأشهر الماضية, معلنًا بهذا نجاح الأب (باودرن), فحمله والداه وانتقلا به إلى مدينة أخرى هربًا من السمعة السيئة التي أخذت تلاحقهما, لتنتهي بهذا قصة الطفل (روبي), ولتبدأ قصة الكاتب الشاب (ويليام بيتر بلاتي).
وصحيح أن قصة الطفل (روبي) لم تثر اهتمام الصحافة في ذلك الحين, لكنها ظلت تطارد الكاتب الشاب (ويليام) لأكثر من عشرين عامًا, حتى قرر أن يستغلها أخيرًا في رواية (طارد الأرواح الشريرة The Exorcist) والتي بدأ في كتابتها في عام1969, وفيها استبدل الطفل بفتاة أسماها (ريجان) تعيش مع أمها حتى يستحوذ عليها الشيطان, فتستعين الأم بالأب (ميرن) الذي يعرف هذا الشيطان من قبل, والأب (داميان) الذي كان على وشك فقدان إيمانه, لينتهي منها عام1971, ولتحقق بعد نشرها نجاحًا خرافيًا, دفعه للتشجع ولإعادة صياغة الرواية في صورة سيناريو أرسله للمخرج (ويليام فريدكين) الذي كان قد حصل لتوه على جائزة أوسكار أفضل مخرج عن فيلمه (علاقة فرنسية French Connection) , فاستقبل هذا الأخير السيناريو مع وعد بقراءته حين يفرغ من حملة الترويج لفيلمه.
و في إحدى الليالي قرر المخرج (ويليام) إلقاء نظرة عابرة على السيناريو, فلم يتمكن من مغادرة المقعد الذي جلس عليه حتى انتهى من السيناريو تمامًا, ليتصل بالكاتب (بلاتي) معلنًا له أنه قرر بدء العمل في الفيلم.
فالسيناريو وكما قال المخرج (فريدكين) فيما بعد لم يبد له سيناريو فيلم رعب, بل قصة إنسانية عميقة تستحق التصوير, وهكذا بدأ الإعداد للعمل, وكانت أصعب نقطة فيه, هي الحصول على ممثلة صغيرة, قادرة على القيام بدور الطفلة (ريجان) بطلة الرواية.
و بعد اختبارات للدور خاضها آلاف الفتيات, وقع الاختيار أخيرًا على الطفلة (ليندا بلير) والتي لم تكن قد مثلت من قبل, لكن المخرج رأى أنها الوحيدة التي تصلح للدور, وبدأ التصوير بعد أن انضم إليه الممثل (ماكس فون سيدو) في دور الأب (ميرن) والمثل (جاسون ميلر) في دور الأب (داميان).
لكن العمل في هذا الفيلم لم يكن بالأمر الهين.. بل يمكننا أن نقول إنه كان فيلمًا ملعونًا بصورة غامضة.
فجأة بدأت حالات الوفيات تصيب العاملين حتى وصلت إلى تسع حالات منذ بدء العمل.. وفي كل مرة كانوا يعملون فيها كان يحدث حادث إصابة لأحدهم, حتى إن منزل الطفلة (ريجان) الذي كانوا قد بنوه بالكامل وبتكلفة عالية, ليصوروا الفيلم فيه, استيقظوا في أحد الأيام ليجدوه قد احترق تمامًا, ولولا شهرة المخرج وتحمسه لإتمام العمل, لما وافقت شركة الإنتاج على إعادة بناء المنزل.
على كل حال, خرج الفيلم أخيرًا إلى النور عام1973 ليبدأ في تحقيق نجاح لم يسبقه إليه فيلم رعب من قبل, حتى إن الرقابة البريطانية أجبرت المخرج (فريدكين) على حذف مشاهد عديدة من الفيلم, غير المشاهد التي حذفها هو من تلقاء نفسه لأنه شعر أنها مخيفة أكثر من اللازم!!
و لم يتوقف نجاح الفيلم عند حصد الملايين, بل كرمه النقاد بترشيحه إلى عشر جوائز أوسكار, لم يحصل منها إلا على جائزتي أفضل سيناريو مقتبس عن عمل أدبي, وأفضل مؤثرات صوتية.
و استمر نجاح الفيلم سنوات طويلة دفعت بعض المتحذلقين لإنتاج جزء ثان وثالث له, لكنهما لم يحققا نجاح الجزء الأول, بل إن المخرج (فريدكين) وصفهم بأنهم مجموعة من الحمقى الذين حاولوا استغلال النجاح الذي حققه هو, لكنه أعلن كذلك أنه لن يقوم بإخراج أي جزء جديد للفيلم وأنه سيتفرغ لأعمال أخرى.
إلا أنه وفي أواخر عام2000 أصدر نسخة خاصة من الفيلم ضمنها جميع المشاهد التي حذفت من قبل, وبعد أن أعاد تحسين نسخة الصوت وبعض المشاهد, وحققت هذه النسخة مبيعات خرافية في أسواق الفيديو, و(DVD) بعد ذلك.